الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث دعـايـة إعـلامـيـة تكفيـريّـة وراء هدم مقامات الأولياء وإزهاق أرواح الأبرياء!

نشر في  18 فيفري 2015  (10:39)

تتالت عمليات التخريب والحرق والاعتداء على مقامات وأضرحة «الأولياء الصالحين» في مختلف ولايات الجمهورية لتطال أكثر من أربعين مقاما تمثل جزءا من ذاكرة الشعب التونسي وهويته ومعتقداته وجزءا من التراث العالمي الذي تزخر به بلادنا.
هذه الظاهرة تعود الى إعلان المجموعات الوهابية التكفيرية الحرب والجهاد على أضرحة الأولياء بعد أن أمعنت في تكفير وتقتيل البشر الأحياء ولعلّ آخر هذه الاعتداءات إقدام بعض العناصر المحسوبة على التيار السلفي المتشدّد على محاولة حرق مقام «عبد القادر الجيلاني» بمنزل بوزلفة وراح ضحيتها الشيخ حسين حارس المقام على خلفية ما تبثه بعض وسائل الإعلام المتواطئة مع الإرهاب من رسائل مشوّهة تحرّض على العنف والتكفير والدعاية للأفكار الظلامية.
هذه الظاهرة أصبحت مدعاة للتساؤل حول الغايات الكامنة وراء إنتشارها وعن خلفياتها الفكرية والايديولوجية وعن الأدوات والأساليب التي ساهمت في التحريض عليها وإنتشارها في بلادنا.
وأكّد التقرير الأمني لقضية مقتل الشيخ حسين المنشور بتاريخ 8 فيفري 2015 أن ملابسات هذه القضية وتفاصيلها تعود الى أن ثلاثة شبان سلفيين من بينهم المشتبه بهما الرئيسيان كانوا قد إلتقوا في الجامع الكبير بالمدينة أثناء صلاة المغرب ثم إنتقلوا الى أحد المقاهي حيث تمّ حبك تفاصيل الجريمة.

التخطيط للاغتيال

وحسب إعترافات الجناة فقد تطرقوا أثناء لقائهم بالمقهى الى ما أذاعته إحدى الاذاعات على لسان بعض من شيوخ الوهابية في تونس حول صلة المقامات و«الزوايا» بالشرك بالله وبالمعصية وهو ما دفع بالمشتبه الأول الى إقتراح حرق المقام المذكور ووافقه في ذلك المشتبه الثاني وتم الاتفاق على موعد التنفيذ في تمام الواحدة من صباح الثلاثاء 2 فيفري الجاري وقاموا بتدبر البنزين وفي الموعد المحدد اقتحما المقام وهمّا بحرقه لكن الشيخ حسين حارس المقام وهو في العقد السابع من عمره وأصيل ولاية جندوبة تفطن لهما وحاول منعهما وهو ما دفع أحدهما الى تسديد 6 طعنات متتالية في مستوى القلب والرقبة بواسطة سكين سرعان ما أودت بحياة الحارس قبل بلوغه المستشفى، فيما لاذ المتهمان بالفرار قبل إنهاء مخططهما القاضي بإحراق المقام..
وبعد إنتشار خبر مقتل الشيخ حسين، أحس الشاب الثالث الذي كان في المقهى مع الجناة بالخوف وأخبر والده بالمخطط الذي يعلمه ولم يتردّد الاخير في إشعار الوحدات الامنية التي تمكنت من إلقاء القبض على المشتبه فيهما فجر يوم الاثنين 9 فيفري الجاري.
وحسب أهالي منزل بوزلفة فإن الشيخ حسين جاء وافدا الى المدينة منذ زمن بعيد ومنذ ذاك الوقت وهو يكرّس نفسه وجهده لخدمة زوار المقام والاشراف على تنظيفه وحراسته وأن قتله بتلك الطريقة خلّف حسرة وأسى كبيرين لدى الجميع.

قنوات وإذاعات مورّطة في الدعوة لهدم المقامات والتكفير

«المقامات فضاءات لاحتضان أعمال الدروشة (الحضرة و«الزردة») والتبرك بالأموات وهذا شرك لا بد من الجهاد في سبيل إزالته»، هذه الرسالة التي ما انفكت عديد القنوات العربية حتى التونسية تبثها في دعوة مفضوحة الى الاعتداء على هذه المعالم وعلى ما تمثله من بعد تاريخي وحضاري ضارب في ثقافة التونسيين وهويتهم.
هذه القنوات والإذاعات تبث من منطلق الترويج لفكر معيّن قوامه تكفير الآخر والدعوة الى التفرقة والعنف خدمة لأجندات وإيديولوجيات غريبة عن مجتمعنا وعن عقيدته منطلقة في ذلك من فكر هجين أفرزته العصور القروسطية المظلمة.
هذه الدعوات الاعلامية وما رافقها من إعتداءات على المقامات بلغت ما يقارب الأربعين إعتداء انطلقت مع صعود الاخوان المسلمين إلى سدة الحكم في تونس وفي عدد من الاقطار العربية فيما سمّي بالربيع العربي وخاصة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وصعود أغلبية تجاهلت هذه الظاهرة وإكتفت في الحكومتين اللتين تشكلتا لاحقا بمجرد التنديد واللوم على أطراف الشفاه عوض اتخاذ اجراءات حازمة وتضرب على أيدي المجرمين وتوقف أحد أجنحة الارهاب المحدق بالبلاد.
طالت هذه الاعتداءات عددا من المقامات والاضرحة التي نذكر منها زاوية سيدي عبد الله الغريبي في أوت 2012 وزاوية بسيدي عبد القادر بمنزل بوزلفة في 14 سبتمبر 2012 تزامنا مع استهداف السفارة الامريكية وهدم الجانب العلوي لقبة الولي الصالح سيدي المحارب بالمنستير في ماي 2012 فضلا عن الاعتداء على مقامي سيدي قاسم الكاف وسيدي عسيلة في باردو في أفريل 2012 وغيرها علما وأن هذه الاعتداءات شملت مقامات في عدد من الاقطار العربية الاخرى على غرار ليبيا ومصر.

الجذور التاريخية والفكرية للإعتداءات

بدأت الدعوات الى هدم المقامات وأضرحة الاولياء الصالحين مع ابن تيمية الذي دعا الى هدمها إستنادا الى قولة غير متفق على صحته للإمام علي ابن أبي طالب مفادها ان النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصاه بذلك بحجة ان الصلاة في مكان به قبر لا تجوز شرعا علما وأن مكة المكرمة في حرمها يوجد قبر النبي إسماعيل فضلا عن جامع الرسول بالمدينة الذي توجد به 3 قبور.
ثم عادت هذه الدعوات للظهور مع محمد ابن عبد الوهاب حسب ما أكده كل من أندري شاتوليه الفرنسي في كتابه غزو العالم الاسلامي وجورج فيلمي وهانفز البريطانيان في مذكراتهما وبعد اقناعه لآل سعود في قبيلة الدرعية التي يرأسها محمد ابن سعود الاول بتبني مزاعمه مقابل المساعدة على ملك شبه الجزيرة العربي. وبعد ان تم لهم ذلك منعوا الحج لمدة سنوات هدموا فيها المقامات والاضرحة حسب صحيفة الكون نظرا للسلطة المعنوية التي كانت تمثلها لبعض الاهالي الرافضين لحكمهم آنذاك وإمعانا في هدم كل ما يتعلّق بالتاريخ والحضارة العربية الاسلامية وفقا لمخططات الانقليز والفرنسين ويذكر أن ابن عبد الوهاب كان قد أفتى خلال هذه الفترة بتكفير الائمة الاربعة ومن تبعهم والعلماء السبعة ودعا الى هدم الاثار طمسا لمعالمهم ولمعالم الصحابة الذين اعتبر نفسه اعلم منهم بالدين وهو الذي أطرد من قبيلته بعد إدعاءه النبوة.
ان هذه الظاهرة أصبحت تشكل خطرا كبيرا على تاريخ الشعب التونسي وعلى أمنه بعد ان تطورت من مجرد  التهديد الى المرور للتنفيذ والقتل نتيجة تنامي الدعاية التحريضية التي انخرطت فيها للاسف وسائل اعلام تونسية محسوبة على تيار تكفيري وسياسي معين وما اعترافات جناة قضية مقام سيدي عبد القادر بمنزل بوزلفة إلا أكبر دليل على تأثير السموم الاعلامية التي تروجها هذه القنوات غير القانونية وغير الملتزمة بخير الشعب والوطن.

حمزة الحسناوي